مشاركة مميزة
آليات الابتكار والإبداع السبعة The 7 innovation and creativity mechanisms
آليات الابتكار والإبداع السبعة The 7 Innovation & Creativity Mech…
إتقان العمل في المؤسسات العربية | ركيزة أساسية للتحول الرقمي والاستعداد لوظائف المستقبل

إتقان العمل في المؤسسات العربية | ركيزة أساسية للتحول الرقمي والاستعداد لوظائف المستقبل
إتقان العمل في المؤسسات العربية | ركيزة أساسية للتحول الرقمي والاستعداد لوظائف المستقبل
تمهيد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، معلم البشرية وهادي الناس أجمعين، حبيبي وسيدي محمد بن عبد الله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.. القائل:
" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ “
............وبعد................
إمتداداً لمحور اهتمامي من وراء هذه المقالات هو تعزيز الثقافة المؤسسية لدى أبنائنا، لهذا سأتناول في هذا المقال؛ موضوعاً عاماً طالما يُشكل أساساً بنائناً لاستراتيجيات النمو والتطوير، ألا وهو "إتقان العمل"، الذي كان سائداً ومازال يحتفظ ببعض مظاهره في تراثنا وحضارتنا. تاركاً أثراً ملموساً، مجسداً في متاحفنا وعلى ما بقي من مباني وقصور واهرامات تاريخية، واسلامية، يجب أن نعتز بها جميعاً، باعتبار الإتقان في تراثنا أثراً واقعياً، وفي نفس الوقت نشير ونسلط الضوء إليه دائماً، كما جاء في الحديث أعلاه، أي أنه ليس بأمر جديد في ثقافتنا الإسلامية وإن تغاضت عنه اليوم بعض قواميس ومفردات العمل العربية.
حتى أصبحت مؤسساتنا وشركاتنا العامة والخاصة تعمل لتفرض علينا سلوكاً يتنافى مع طبيعتنا، سلوكاً بات شائعاً لكل من يبحث عن عمل يعيش عليه، ولكن سلوكاً جديداً وإن كان عن سعي وشغف صادق بين أقراننا، ومعارفنا، لنقتات منه فقط، أو نكتفي بالتباهي بنوع العمل الذي نقوم به أو الدرجة الوظيفية التي حصلنا عليها، وفي بعض الحالات نبدي سرورنا واعتزازنا بموقع العمل ...... لا يهم ما إذا كان أداؤه بالكفاءة والمهارة المطلوبتين. أم كان محفوفاً بالتراخي وعدم الجدية، عكس ما ورد ذكره في تفسير كلمة إتقان العمل الذي يحثنا على ضرورة ممارسة النشاط أو الحراك الإنساني بمهارة عالية ودرجة كبيرة من الإحكام والجدارة كما في معجم الفيروز أبادي صاحب "القاموس المحيط"، الذي أتى في معناه بوجهيه المترادفين، أي بمعنى "أتقن الأمر أحكمه....."، والمعنى الآخر المرادف له بمعنى الإحسان جملة "الإنعام على الغير" أو الإشارة إلى المُحسن في عمله والمميز في مهنته والبارز في صنعته.
إن الإهمال الذي صاحب نظرتنا تجاه العمل وضرورة وكيفية القيام به، كان لهما أثره السلبي الكبير على جيلنا الحالي، وعلى تفكيرنا في جميع الأمور المتعلقة بالعمل، وأثره الاجتماعي، والاقتصادي، والصحي. إلى أن انتشرت هذه النظرة في صور وأشكال عديدة في حياتنا. بدءاً من اللامبالاة على المستوى الفردي إلى العجز الظاهر في إدارة هذه الإشكالية على المستوى المجتمعي، مع عدم وضوح الرؤية وتخبط حكوماتنا والقائمين بصياغة استراتيجيات عملنا، كل ذلك دون أن تورقنا أو تدفعنا نحن العاملون والقائمون بمهام وظائفنا وأدوارنا ومسؤولياتنا تجاه العمل، على علاج هذه النظرة القاصرة تجاه أهمية العمل في حياتنا.
مما تجلت رؤيتنا للعمل واضحة في جملة من القصور والإرث والإخفاقات، وفي عجزنا الظاهر على مواجهة تحديات الحياة العصرية الحديثة، ومجاراة ركب التقدم والازدهار كما سبقتنا إليه باقي الدول وشعوب العالم. ذلك رغم يقينناً جميعاً بأن "العمل عبادة" قبل أن يكون محوراً حياتياً مهماً للجميع...وأن إتقانه والإخلاص فيه من أساسيات الحياة الضرورية.... وبديهة من بديهيات الإيمان الحق والعقيدة في العالمين، وأنه من أهم متطلبات الحياة الكريمة وتعزيز مستويات المعيشة وتحقيق الذات لدى كل فرد، وأنه فقط، يمكننا بإتقاننا للعمل تحقيق رغباتنا المعيشية ومن دونه لا مجال إلى مناشدة الجودة والتميز والتطور والنمو المستدام لدى مجتمعاتنا وشعوبنا.
ليس هذا فحسب... وإن بدت كلماتي إسقاطاً مباشراً كجلد الذات.... فأسلافنا المسلمون السابقون لم يبنوا حضارتهم الإنسانية الكبيرة إلا بإخلاصهم في العمل، إتباعاً لأوامر الله تعالى وتعاليم خاتم الأنبياء صلوات الله عليه وسلم. إلى أن حصل هذا التراجع أو التأخر الحاصل في حياة المسلمين في الوقت الحاضر، كما أسلفنا لعدم جديتهم في العمل مع أن ديننا الإسلامي الحنيف يحث على العمل الجاد، وأن يكون كل فرد منا صالحاً لمجتمعه متصالحاً مع ذاته.
الدول والمجتمعات المتقدمة لا تقاس نجاحها إلا بمدى اهتمامها وجديتها بالعمل، وتقدمها ورفاهية العيش فيها. وأنها لم تصل إلى هذا المستوى من التقدم في العلوم الدنيوية والطبيعية وخاصة الرقمية أو التكنولوجية إلا بمناشدة أعلى القمم في مستويات التميز والتطور والنمو، ملتزمين ومستعينين في ذلك بكل السبل المساعدة في إتقان العمل والإخلاص في أدائه بجودة وكفاءة عالية.
حتى أصبحت بعض المفاهيم والمصطلحات الحديثة، مثل منهجيات العمل (Methodologies) والمعايير والمقاييس الدولية أو أفضل الممارسات العامة (General Best Practices)، ومواصفات الآيزو (ISO) وإدارة الجودة الشاملة (Total Quality Management)، وإدارة حقيبة المشاريع (Projects Portfolio Management PPM)، وغيرها الكثير باتت أكثر شهرة وتداولاً في أحاديثنا ومسامعنا، كلغة عصرية مشتركة متداولة بين أقران العاملين في كل قطاع من قطاعات العمل المختلفة ومنها مجال تقنية ونظم المعلومات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي (generative AI) وتغلغلها وإنتشارها في كافة المستويات وفي مختلف قطاعات العمل المؤسسية المحلية و العالمية، لكون تقنيات الذكاء الاصطناعي ذات أهمية إستراتيجية يسعى إليها الجميع نسبة لارتباطها بتحقيق عوامل الجودة الشاملة والتميز لمنتجاتها وخدماتها التي تقدمها لعملائها سهلة المنال، أو حال الاستعانة بها عند النظر لأنشطة عمليات وإجراءات الأعمال، باعتبارها أهم عوامل انتهاج الأسلوب العلمي في الإدارة الرشيدة الحديثة والمسايرة الإيجابية على مواجهة تحديات العولمة ومؤشرات التنافسية العالمية.
أي أن الغرض من وراء هذا المقال، يأتي نتاجاً لما نشهده من قصور تجاه العمل، بمقدمة بسيطة نحدد فيها الرؤية الشاملة والمتعمقة لأهمية إتقان العمل في المؤسسات العربية، ثم تعقبها العديد من الفقرات نلتمس من خلالها أفضل الطرق والوسائل التي ستؤدي بنا إلى تعزيز وضرورة إتقان العمل مهما كان نوعه أو مستواه، أي الاستعانة بالوسائل المتاحة من مفاهيم ومعتقدات يتم استخدامها عالمياً، لتحقيق هدف "سلسلة ثقافة مؤسسية احترافية" بين مجتمعاتنا العربية، وبالتالي مجاراة متطلبات المدنية الحديثة والاقتصاد المعلوماتي الذي يتهافت فيه باقي دول العالم، حماية من التهديدات والمخاطر التي تواجهنا جميعاً من آن لآخر.
مقدمة:
يُشكل إتقان العمل قيمة جوهرية في أي مجتمع يسعى إلى التقدم والازدهار. وفي سياق المؤسسات العربية، يجب أن يكتسب هذا المفهوم أهمية مضاعفة، وذلك في ظل التحديات المتسارعة التي يفرضها العصر الرقمي ومتطلبات التحول الاقتصادي والاجتماعي والاقتصادي. إذ يتأتى حينئذ ضرورة إتقان العمل في المؤسسات العربية باعتباره ركيزة أساسية لنمو مجتمعاتنا والاستعداد لوظائف المستقبل، حيث لم يعد إتقان العمل مجرد خيار، بل أصبح ضرورة مُلِحة لضمان تعزيز القدرات التنافسية والاستدامة في عالم يشهد تغيرات جذرية في طبيعة الوظائف ومهارات المستقبل.
يستند هذا المقال إلى رؤية شاملة ومتعمقة لأهمية إتقان العمل في المؤسسات العربية، مع التركيز على دوره المحوري في تحقيق التحول نحو التقنيات الرقمية، من أجل الاستعداد لوظائف هذا العصر والمستقبل، سبيلاً إلى مواجهة التحديات التي تعترض طريق التنمية المستدامة في المنطقة. كما يسعى المقال إلى تقديم رؤى عملية واستراتيجيات قابلة للتطبيق لتعزيز ثقافة إتقان العمل في المؤسسات العربية، وتمكينها من مواكبة التطورات العالمية وتحقيق النجاح في عصر التكنولوجيا والابتكار.
إتقان العمل: مفهوم شامل وأهمية متزايدة
إتقان العمل يتجاوز مجرد إنجاز المهام المطلوبة؛ إنه يشمل مجموعة من القيم والمبادئ والممارسات التي تهدف إلى تحقيق أعلى مستويات الجودة والكفاءة والفعالية في جميع جوانب العمل. يتضمن ذلك: السعي الدائم لتحقيق أعلى معايير الجودة في المنتجات والخدمات والعمليات
تتزايد أهمية إتقان العمل في المؤسسات العربية في ظل التحديات التالية:
- العولمة والتنافسية: يفرض الاقتصاد العالمي المتشابك على المؤسسات العربية ضرورة تحسين جودة منتجاتها وخدماتها، وخفض التكاليف، وزيادة الكفاءة، لتتمكن من المنافسة في الأسواق العالمية.
- التحول الرقمي: يتطلب التحول الرقمي من المؤسسات العربية تبني التقنيات الحديثة، وتطوير المهارات الرقمية لدى العاملين، وتغيير نماذج الأعمال التقليدية، وهو ما يستلزم مستوى عالياً من إتقان العمل في جميع جوانب المؤسسة.
- وظائف المستقبل: يشهد سوق العمل تغيرات جذرية في طبيعة الوظائف والمهارات المطلوبة، حيث تزداد أهمية المهارات التقنية والرقمية، ومهارات حل المشكلات، والتفكير النقدي، والإبداع، والتعاون، وهو ما يتطلب من المؤسسات العربية الاستعداد لهذه التغيرات من خلال تطوير مهارات العاملين وتعزيز ثقافة التعلم المستمر.
- التنمية المستدامة: تتطلب التنمية المستدامة من المؤسسات العربية تبني ممارسات صديقة للبيئة، والالتزام بالمسؤولية الاجتماعية، وتحقيق التوازن بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وهو ما يستلزم مستوى عالياً من إتقان العمل في جميع جوانب المؤسسة فضلاً عن أهداف التنمية المستدامة في الرؤية 2030 للأمم المتحدة.
إتقان العمل والتحول الرقمي في المؤسسات العربية
يشكل إتقان العمل ركيزة أساسية لنجاح التحول الرقمي في المؤسسات العربية. فالتحول الرقمي لا يقتصر على مجرد تبني التقنيات الحديثة، بل يتطلب تغييرات جذرية في ثقافة المؤسسة، وهياكلها التنظيمية، وعملياتها، ومهارات العاملين فيها، لهذا يجب أن يلعب إتقان العمل دوراً محورياً في تحقيق التحول الرقمي من خلال عدة جوانب، يجب أن تتصدى لها الجهات الحكومية وتعمل على ترسيخها مؤسساتها المعنية.
يساعد إتقان العمل على تهيئة بيئة عمل تشجع على الابتكار والتجريب، وتسهل عملية تبني التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، وتحليل البيانات الضخمة
إتقان العمل والاستعداد لوظائف المستقبل في المؤسسات العربية
يشهد سوق العمل تغيرات جذرية في طبيعة الوظائف والمهارات المطلوبة، حيث تزداد أهمية المهارات التقنية والرقمية، ومهارات حل المشكلات، والتفكير النقدي، والإبداع، والتعاون. وذلك بعد شيوع الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل لم يكن معهوداً من قبل، لهذا يجب على المؤسسات العربية الاستعداد لهذه التغيرات من خلال تطوير مهارات العاملين وتعزيز ثقافة التعلم المستمر. على أن يمثل إتقان العمل دوراً محورياً في الاستعداد لوظائف المستقبل، عندما تقدم المؤسسات التعليمية وغيرها مسؤولياتها تجاه إتقان العمل، من خلال:
استراتيجيات عملية لتعزيز إتقان العمل في المؤسسات العربية
لتعزيز ثقافة إتقان العمل في المؤسسات العربية، يمكن تبني مجموعة من الاستراتيجيات العملية، نقترح منها:
- تحديد رؤية واضحة لإتقان العمل: يجب على المؤسسات العربية تحديد رؤية واضحة لإتقان العمل، وتحديد الأهداف والمؤشرات الرئيسية للأداء التي تعكس هذه الرؤية، وتوصيلها بوضوح إلى جميع العاملين في المؤسسة.
- توفير التدريب والتطوير المستمر: يجب على المؤسسات العربية توفير التدريب والتطوير المستمر للعاملين، وتزويدهم بالمهارات والمعرفة اللازمة لأداء مهامهم بفعالية وكفاءة، مع التركيز على تطوير المهارات التقنية والرقمية، ومهارات حل المشكلات، والتفكير النقدي، والإبداع، والتعاون.
- تشجيع ثقافة التقدير والمكافأة: يجب على المؤسسات العربية تشجيع ثقافة التقدير والمكافأة، وتقدير العاملين الذين يظهرون التزاماً بإتقان العمل، ومكافأتهم على أدائهم المتميز، وهو ما يحفز العاملين على تقديم أفضل ما لديهم.
- تمكين العاملين وتفويض السلطة: يجب على المؤسسات العربية تمكين العاملين وتفويض السلطة لهم، ومنحهم المزيد من الاستقلالية والمرونة في أداء مهامهم، وهو ما يزيد من شعورهم بالمسؤولية والملكية، ويحفزهم على إتقان العمل.
- تعزيز التواصل الفعال: يجب على المؤسسات العربية تعزيز التواصل الفعال بين الإدارة والعاملين، وتشجيع الحوار المفتوح والصادق، وتوفير قنوات اتصال فعالة لتبادل المعلومات والآراء، وهو ما يساهم في بناء الثقة والتعاون بين جميع أفراد المؤسسة.
- استخدام التكنولوجيا لتعزيز إتقان العمل: يمكن للمؤسسات العربية استخدام التكنولوجيا لتعزيز إتقان العمل، من خلال تبني الأدوات والأنظمة التي تساعد على تحسين كفاءة العمليات، وتسهيل التعاون، وتوفير المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات الصائبة.
- قياس الأداء وتقييمه: يجب على المؤسسات العربية قياس الأداء وتقييمه بانتظام، وتحديد نقاط القوة والضعف، واتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة لتحسين الأداء، وهو ما يساهم في تحقيق التحسين المستمر.
- بناء ثقافة تنظيمية تدعم إتقان العمل: يجب على المؤسسات العربية بناء ثقافة تنظيمية تدعم إتقان العمل، وتشجع على الابتكار، والتعاون، والتعلم المستمر، وتحترم القيم والأخلاق المهنية، وهو ما يعتبر عنصراً حاسماً في تحقيق النجاح المستدام.
تحديات وفرص إتقان العمل في المؤسسات العربية
التحديات
تواجه المؤسسات العربية مجموعة من التحديات في سعيها لتعزيز ثقافة إتقان العمل، منها:
الفرص
ومع ذلك، هناك أيضاً العديد من الفرص التي يمكن للمؤسسات العربية استغلالها لتعزيز ثقافة إتقان العمل، منها:
خاتمة:
إتقان العمل ليس مجرد شعار، بل هو ضرورة مُلِحة على جميع وحدات عملنا المؤسسية؛ المؤسسات الحكومية العامة والشركات الخاصة، ويتعاظم هذا الدور بشكل أكثر أهمية في هذا العصر المعني بالتقنيات الرقمية، وذلك حتى يتسنى لشبابنا الاستعداد لوظائف المستقبل. يتطلب تحقيق إتقان العمل جهوداً متضافرة من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك قادة المؤسسات، والعاملون، والحكومات، والمجتمع المدني. من خلال تبني الاستراتيجيات العملية، واستغلال الفرص المتاحة، والتغلب على التحديات، يمكن للمؤسسات العربية بناء ثقافة تنظيمية تدعم إتقان العمل، وتحقق النجاح المستدام في عالم يتسم بالتغير السريع والتنافسية الشديدة. إن إتقان العمل هو مفتاح التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة العربية، وهو أفضل استثمار نقدمه لمستقبل أجيالنا القادمة.